كمـا كان متوقّعا لم تختلف تركيبة حكومة إلياس الفخفاخ كثيرا عن سابقتها (حكومة الحبيب الجملي) من ناحية التمثيلية المتحشمة للمرأة فيها، حتى تكـاد تكون مشاركتهـا فيها صوريّة لغايات جماليّة لا غير، فمن بين 31 حقيبة وزارية نجد أربع وزيرات وكاتبتيْ دولة فقط، أي بنسبة 19% فقط. ولعلّ الجملي كان أكثر سخاء مع المرأة التونسية بتخصيص نسبة 24 % لها من تركيبة حكومته على الرغم من إقراره العلني بعدم وجود كفاءات نسوية يعوّل عليها في منـاصب القيادة.
وفي هذا الإطار، قالت تركية الشابي نائب رئيس رابطة الناخبات التونسيات في تصريح لـ24/24 إنّه سبق لرابطة الناخبات أن نشرت ، قبل الانتخابات التشريعية لـ2019، بيانا موجها إلى مجلس نواب الشعب طالبت فيه بضرورة تمرير المبادرة التشريعية المتعلقة بالتناصف الأفقي في القائمات الانتخابية كما في الانتخابات التشريعية، لكنّ البرلمان السابق لم ينظر في هذه المبادرة التشريعية، مما ساهم في تراجع نسبة النساء الممثَّلات في البرلمان إلى 24%، مستدركة “نحن نعتبر ذلك تراجعا عن مبادئ الدستور وخاصة الفصل 46. إذ نجد أن نسبة تسجيل المرأة بلغ أكثر من 47%سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية؛ النساء المرشحات للبرلمان، من 1507 قائمة، هناك 208 امرأة كنّ رائسات قائمات بنسة 14% ، نظرا لعدم وجود تناصف أفقي في القائمات، الأمر الذي أدى إلى ضعف تمثيلية المرأة في مجلس نواب الشعب (53 امرأة من بين 217 نائبا) “.
نطـالب بحكومة 50/50
وأضافت الشابي، في السياق ذاته، “أمام هذه التراجع، كنا قد أصدرنا عريضة مساندة أسميناها 50/50 من أجل تطبيق الفصل 46 من الدستور، ولقيت هذه المبادرة دعما واسعا من المجتمع المدني وعدد من الشخصيات الوطنية ، ووجهناها إلى كلّ من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والبرلمان لإدراج التناصب في تركيبة الحكومة، لكننا فوجئنا بضعف تمثيلية النساء في تركيبة حكومة الحبيب الجملي التي لم يمنحها البرلمان ثقته ، والتي كانت تمثيلية المرأة فيها بنسبة 23%، ونحن اعتبرنا ذلك إقصاء النساء من الماصب العليا للدولة، وكان الجملي قد علّل ذلك بعدم وجود كفاءات وطنية نسائية وهو تصريح مستفزّ وعنصري ضدّ النساء ولا يمكن لأحد أن يشكّك في كفاءة المرأة التونسية التي تمكنت من النجاح والتميّز في مختلف المجالات”.
وأردفت نائب رئيس رابطة الناخبات التونسيات أنه “بسقوط حكومة الجملي، أعدنا توجيه العريضة 50/50 إلى رئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ لكنّنا لاحظنا تواصل إقصاء النساء، ولم يقع تدعوتهم وتشريكهن في مشاورات تشكيل الحكومة، وهو مؤشّر نعتبره سلبيّ، مستدركة “كنّا نأمل أن يستجيب الفخفاخ إلى العريضة التي تقدّمنا بها إليه”.
ولم تتجاوز تمثيلية المرأة في حكومة الحبيب الجملي 24 بالمائة (4 وزيرات من بين 28 وزيرا مقترحا و6 كاتبات دولة من بين 15 مقترحة). وكان الجملي قد علّل ضعف حضور المرأة في حكومته بغياب الكفاءات النسائية في تونس. الأمر الذي اعتبرته رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية الجربي يترجم العقلية السائدة فيما يتعلق بتقلد النساء مناصب قيادية، مشدّدةعلى أن تونس تزخربالكفاءات النسائية ما يؤهلها إلى تصدّرحقائب وزارية في لحكومة.
واعتبرت أن ما يسند من حقائب وزارية، لا يتعدى عددها في أحسن الحالات أربع وزارات لا يعكس قيمة المرأة ، لافتة إلى أنّ ذلك يعتبر محرجا للدولة التونسية التي سجلت منذ عقود عديد.
وأضافت الجربي أن مشاركة المرأة مازالت ضعيفة في المواقع القيادية ، مشددة أنه على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تدارك الأمر بمنح المرأة الأولوية عند تعيين السفراء والقناصل من جهة والولاة والمديرين العامين…
الكفاءات النسوية موجودة لكن الفرص غائبة
ومن جانبها، أعربت الكاتبة العامة لجمعية “تونسيات” منى بحر، في تصريح لـ24/24، عن استيائها من تراجع نسبة تمثيلية المرأة في مراكز صنع القرار، بدءا بالتمثيلية المحتشمة لها في حكومة الحبيب الجملي وصولا إلى حكومة إلياس الفخفاخ”.
وأضافت بحر، في ذات الصدد: “رغم سعينا إلى فرض التناصف الأفقي إلى جانب التناصف العمودي في الانتخابات بغاية الرفع من وجود المرأة في مراكز صنع القرار، فإنه من المؤسف أن نلحظ تواصل إقصاء وتهميش المرأة”، متسائلة “هل يعقل أن نجد في تركيبة حكومة الفخفاخ المرأة ممثلة فقط بـ4 وزيرات وكاتبتيْ دولة؟
ونوّهت الكاتبة العامة لجمعية “تونسيات” بأن المرأة التونسية متميزة وذات كفاءة عالية ورائدة في جل المجالات، مستدركة أنهم”لا يمنحونهاالفرصة والثقة للمشاركة والفعل والبروز في مراكز القوة”.
وتابعت منى بحر القول : “صحيح أن هناك عزوف نسائي عن النشاط السياسي مقارنة بالرجال، ولكن ذلك لا يبرّر إقصاءهنّ وعدم تشريكهنّ في تسيير شؤون الدولة من مناصب وزارية باعتبارهنّ عناصر فاعلة “، مشيرة إلى أنّ “إقصاء النساء لا يقتصر على الحقائب الوزارية بالحكومة فحسب، بل نكاد لا نجدها في مقدّمة الأحزاب أو حتى الهياكل النقابية، وذلك ليس لغياب الكفاءات بل لعدم السماح لهن بأخذ فرصتهنّ في القيادة”، وفق تعبيرها.
وفي سياق متصل، قالت المسؤولة بـ”تونسيات”: “نحن كجمعية “تونسيات” نعمل على التصدّي لهذه المسألة ، ولدينا برنامج في العيد العالمي للمرأة في 7 مارس حول نضج المرأة التونسية في العمل السياسي ، قمنا بدراسة ميدانية تحت مسمّى “باروميتر لقيس نضج المرأة في العمل في الشأن العام” وركزنا بالأساس على مشاركتها في العمل السياسي، بغاية تسليط الضوء على الأسباب الأساسية التي تقف خلف تراجع مشاركة المرأة التونسية في مراكز صنع القرار”.
سوسن العويني